” الدين لله والوطن للجميع “
بقلم: محمد خاطر
بمجرد أن رأيت تلك اللقطة المعبرة عن السلام الروحاني النابض في جوف قلبين مؤمنين بربهم يدعونه تضرعا وخيفة من هول يوم القيامة، فكل رجل دين منهما يعبد ربه بالطريقة التي اقتنع أنها المثلى في تقربه من الرب سبحانه وتعالى، شعرت براحة نفسية غير طبيعية وزاد يقيني أكثر بمقولة «الدين لله والوطن للجميع» إلى أبعد الحدود، ذلك الشعار الذي رفعه المصريين أثناء ثورة 1919، ومازالوا يرفعونه كلما أرادوا التصدي للمغرضين الذين يصنعون المؤامرات ويفجرون النزاعات للإيقاع بين أبناء الوطن الواحد لخلق ما يسمى بالطائفية الدينية، وجعل الدين وليس المواطنة هو أساس الدولة الحديثة أو الفرقة السياسية وإقصاء فريق سياسى بعينه باعتباره خارج الوطن.
فالدين فى منطقة الشرق الأوسط خط أحمر بالنسبة لأصحاب الرسالات السماوية، وقد يكون له دوراً إيجابياً فى التعليم والصحة وجمع الأموال للفقراء وللمشروعات الخيرية، وقد يلعب دوراً سلبياً إذا ابتعدنا عن جوهره الصحيح بارتكاب جرائم العنف وقتل الأبرياء وترويع الضعفاء باسم الدين.
لاشك أن الدين هو مسألة شديدة الخصوصية والسرية بين الإنسان وربه، وإذا نظرت إلى الذين يصلون، كم منهم خاشع زاهد لله يناجي ربه نادما على ما قصر وفرط في حق الله عليه، ويسعى للتواصل معه في علاقة روحانية سامية، وكم منهم يؤدي الصلاة لمجرد أداء الفريضة في حد ذاتها، منشغلا بأمور دينوية بعيدة كل البعد عن المشاعر الروحانية الصادقة لجوهر العبادة الحقيقية، فتلك الأمور لا يستطيع أي بشر من إقحام نفسه بها، لأنها علاقة رفيعة المستوى بين الإنسان والذات الإلهيه.
فإذا علم كل واحد منا أن الحرية الدينية أسمى شيء في الوجود وأن كل عابد يعبد ربه بالطريقة التي اقتنع أنها المثلى في تقربه من الرب، سوف ينتهي النصب والتجارة باسم الدين ولن يستغل تاجر طويل اللحية الدين فى جلب الزبائن، بل سوف يسعى أن يكون أميناً ولا يستخدم سياسة المغالاة على زبائنه.
فأرجو يا أحبائي أن لا تتغافلوا عن شعارنا المصيري الذي يربطنا منذ قديم الزمن، والذي أخبرنا به رسولنا الكريم المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم، حينما قال: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: حدثني عمر رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة»، و«إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا فإنه فيها خير جند الله»، «إن جند مصر من خير أجناد الأرض لأنهم وأهلهم في رباط إلى يوم القيامة».
كما لا ننسى الشعار الذي فجره المصريون الشرفاء المدافعين عن قضيتهم الأولى (الاستقلال) ضد الظلم القهري للاحتلال الإنجليزي أثناء ثورة 1919، فعاش شعبنا الأبي الكريم فى سلام واستقرار وأمان، وكانوا أكثر تديناً، وأقل كلاماً فى الدين، فإذا سيرنا على ذلك النهج فقد يتقلص الإرهاب، ويحل السلام داخل كل دين وبين مختلف الأديان.
فبعد تداول صورة دينية التقطت صدفة بمحطة نجع حمادى أثناء تبادل التحية بين شيخ وقسيس تصادف مرورهما على رصيف المحطة وقام أحد الشباب بالتقاط صورة لهما، وقد تداولها الكثير من مستخدمي منصات السوشيال ميديا بمحافظة قنا.
ولاقت هذه الصورة الروحانية التلقائية تفاعل واسع من جماهير مواقع التواصل الاجتماعي، التي جمعت بين القس والشيخ ومدي العلاقة التي تربط الأديان ببعضهم البعض، معبرين عن سعادتهم بتلك اللقطة الفطرية المفاجئة والتي التقطت عن طريق الصدفة البحتة دون الترتيب لها، لتدل على الصفاء والنقاء الروحي والتآلف والسمو والأخلاق الرفيعة الذي يتمتع به الشيخ والقس معا في إلقاء السلام.
فهذه الصورة العظيمة التي التقطت بشكل عفوي تزامنا مع مرور القسيس والشيخ، لا شك أنها تحمل رسائل توعوية جليلة للجماهير بمختلف فئاتها وثقافتها وأعمارها، مشددة على الاتحاد والترابط والأخوة بين أفراد المجتمع الواحد ، فهي موجهه للجميع لإرساء القيم الرفيعة والمعاني السامية وتدعيم المواقف النبيلة ونبذ التعصب وأضراره الجسيمة .. وما إلى ذلك، وفي النهاية أحب أن أقول ” الدين لله والوطن للجميع.. فكونوا لذلك مقتنعين “.