المنصات الرقمية تسحب البساط من شاشات التلفزيون
كتب \مروان محمد ماجد
منافسة شرسة وحرب تكسير عظام، عنوان الموسم الرمضانى كل عام بين المنصات الرقمية العربية والعالمية على استقطاب أكبر عدد من المشاهدين وسحب البساط تدريجيًا من وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والراديو، من أجل فرض الهيمنة على سوق الإعلام فى مصر، والفوز بنصيب الأسد بأكبر جزء من كعكة الإعلانات الرمضانية.
استطلعت آراء مجموعة من خبراء صناعة الإعلام والمحتوى الرقمى حول مستقبل المنصات الرقمية فى مواجهة شاشات التلفزيون خلال السنوات المقبلة، فى ظل حالة الزخم الشديد والتطور التكنولوجى التى تشهده صناعة الإعلام بالسوق المحلية.
وأجمع الخبراء على أن منصات الفيديو حسب الطلب باتت التطور الطبيعى لمختلف وسائل الإعلام، فى ظل تنوع المحتوى وجرأة وحداثة الأفكار التى تقدمها، مع إتاحة مشاهدة الأعمال الدرامية والفنية دون أى فواصل إعلانية تؤثر بالسلب على تركيز المشاهدين.
ومن التجارب الناجحة التى جذبت جمهورًا كبيرًا فى مصر خلال المرحلة الماضية منصة watch it التى تشتمل حاليًا على باقات شهرية تجدد تلقائيًا، إضافة إلى محتوى وحسابات مخصصة للأطفال، وأخرى شخصية متعددة للاشتراك الواحد، كما تسعى أيضًا لأن تكون أكبر مكتبة للمحتوى العربى عالميًا.
الذكاء الاصطناعى يتيح التعرف على سلوكيات المشاهدين
قال جمال مختار، رئيس وكالة أسبكت للحلول المتكاملة والِإعلان، إن ثقافة المشاهد تشهد تطورًا ملحوظًا كل خمس سنوات، موضحًا أن الفضائيات كانت تعد التطور الطبيعى للقنوات الأرضية، ثم ظهر موقع اليوتيوب الذى سحب البساط من تحت أقدام الفضائيات، وخطف أنظار المعلنين وجذب اهتمام المشاهدين فى الوقت نفسه.
وأكد “مختار” أن المنصات الرقمية -على غرار نتفليكس وشاهد وواتش آيت- تستحوذ حاليًا على حصة سوقية كبيرة تتراوح نسبتها من 30 إلى %40، وتزداد سنويًا، مبينًا أن شاشة التلفزيون المصرى تنافس فقط فى شهر رمضان لما تتمتع به من قاعدة جمهور عريضة، إلا أنه من المرجح أن يتحول هؤلاء المشاaهدون فى غضون عامين لمنصات مشاهدة الفيديو، حسب الطلب إذ ما تم إنتاجه محتوى درامى مختلف عن أعمال ماسبيرو.
وأشار إلى أن المنصات تقدم محتوى غنيًا، سواء على المستوى البصرى والسمعى والفنى، لافتًا إلى أنه خلال وقت قصير ستسحب المنصات الصدارة من موقع اليوتيوب.
وأكد أن يوتيوب فى الوقت الحالى لا يوجد لديه منافس فى سياق البحث عن مشاهد معينة من أفلام قديمة على سبيل المثال أو حوارات تليفزيونية مسجلة، موضحًا أن تلك المنصات توجد بها محددات إلى حد ما بالنسبة إلى المحتوى الذى يقدم من خلالها.
ولفت إلى أن الموسم الرمضانى بعد القادم قد يشهد تحول المشاهدين إلى المنصات عوضًا عن التلفزيون، مشيرًا إلى أن الحملات الإعلانية من الممكن أن تحول مسارها تجاه منصات المشاهدة إذا زادت قاعدة المشاهدين من جميع الأطياف.
وأوضح أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التى زاد الاعتماد عليها مؤخرًا ستساعد المعلنين فى التعرف على سلوكيات المشاهد، ومن ثم تطور الحملات الدعائية ومحتواها.
فيروس كورونا عامل محفز
وقالت الدكتورة أمانى فهمى، عميد كلية الإعلام بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة، إنه طبقًا لنظرية تشكل الوسائط ( (Media morphosis التى تدرس داخل كليات الإعلام، فإن كل وسيلة إعلامية جديدة تظهر لا تعنى بالضرورة القضاء على القديمة، خاصة أنها تضطر لإيجاد طريقة ما للتكيف والتأقلم من أجل الاستمرارية.
وتابعت أمانى فهمى أن المنصات الرقمية أصبحت تشكل مستقبل الإعلام فى مصر والعالم، وقد يستفيد التلفزيون العادى منها من خلال المحتوى الثرى الذى تنتجه.
ورأت أن شهر رمضان الموسم المفضل للوسائل الإعلامية القديمة مثل التلفزيون والراديو التى تعتمد عليه بشكل كبير من خلال إيرادات المعلنين، سواء كانوا جهات رسمية حكومية أو خاصة، منوهًا بأن الأجيال الجديدة من المشاهدين الذين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 23 سنة تحولوا بالكامل للمشاهدة عبر المنصات.
وأرجعت أسباب انتشار منصات المحتوى الرقمية فى مصر خلال الفترة الأخيرة وزيادة أعداد متابعيها نتيجة تفشى وباء كورونا وما نتج عنها من مرحلة إغلاق كامل فى عام 2020.
الشاشة الصغيرة تنفرد بتقديم «الإخبارية»
وقال السيناريست عمرو سمير عاطف، إن التلفزيون سيقاوم لفترة ثم سيلقى نفس مصير الإذاعة المصرية، إلا أنه لن يختفى تمامًا، نظرًا لتقديمه خدمات إخبارية مميزة عن المنصات، تتمثل فى تغطية الأحداث المهمة وبرامج التوك شو، بعكس المنصات التى توفر للمشاهد حرية اختيار المادة المفضلة له أينما وجد وفى أى وقت.
عاطف: تخضع للرقابة.. وتمكن من اختيار المادة المفضلة
وأكد “عاطف” أن المنصات الرقمية فى مصر تخضع للرقابة أيضًا فى تناول الموضوعات، على غرار الأعمال الفنية المعروضة على شاشات التلفزيون.
مواكبة الإعلام المصرى والعربى تطور الصناعة
من جانبه، أوضح أحمد عبد الفتاح، رئيس وكالة ميديا ستايشن للدعاية والإعلان أن أسعار الإعلانات على المنصات الإلكترونية تعتبر قليلة، مقارنة بنظيرتها فى الوسائل الأخرى، مثل الأوت دور والراديو والتلفزيون الذى بلغ سعر السبوت الإعلانى الواحد لمدة 30 ثانية مليون جنيه.
وأشار إلى أن ثقافة المشاهدة عالميًا تتغير كل يوم، مؤكدًا أن الإعلام المصرى والعربى فى طريقه لمواكبة هذا التغير والتكيف معه وتقبله.
المشاهد أصبح أسير المحتوى الترفيهي
وقالت عبير سالم، أستاذ مادة الإعلام التنموى بكلية إعلام جامعة أكتوبر، إن المنصات الرقمية تعد التطور الطبيعى لمستقبل وسائل الإعلام المرئية، خاصة أنها تتميز بارتفاع نسب المشاهدة، وتسليط الضوء على القضايا التى تشغل الرأى العام، كما تدعم أيضًا حرية التعبير وطرح محتوى مبتكر يسهم فى تشكيل وعى مستنير لدى ملايين من المشاهدين – على حد وصفها.
سالم: تدعم حرية التعبير وتزيد من ابتكار المحتوى
ولفتت سالم إلى أن التحول من وسائل الإعلام التقليدية كالراديو والتلفزيون يفرض على المشاهدين ضرورة تحليل الموقف وإعمال العقل جيدًا، من أجل انتقاء المحتوى المناسب مع مراعاة الحفاظ على القيم المجتمعية، مشيرًا إلى أن 60 إلى %70 من الأجيال الشابة تحولوا بالكامل لتلك المنصات.
وقالت إن تفشى وباء كورونا أسهم فى تغيير سلوك واهتمامات المشاهدين ليس بالضرورة للأفضل أو بشكل إيجابى فى سبيل المعرفة والتعلم، ولكن من أجل الترفيه والتسلية إلا أن المسألة تنطوى أيضًا على جوانب سلبية تتمثل فى تحويل المشاهد لأسير فى قبضة المحتوى الترفيهى على حساب نظيره العلمى والتثقيفى.
تغيير طريقة البث نتيجة متوقعة
واستطرد حسام صالح، خبير تكنولوجيا الاتصالات والإعلام الرقمى، قائلًا: لا أعتبر المنصات الرقمية منافسًا حقيقيًا للتليفزيون، فالمنصات تخلق سوقًا جديدًا يجتذب مشاهد من مشاهدى التلفزيون- ولكن يبقى التلفزيون له مشاهد فى توقيتات معينة، لافتا إلى أن التلفزيون يعتبر جزءًا من طريقة ممارسة الحياة، أما مشاهد المنصة فيقوم باختيار المحتوى وطريقة مشاهدة مختلفة لأنه يتابع كل تفصيلة فى المحتوى الذى اختاره، لذلك نجد مشاهد التلفزيون قد لا يتذكر كل تفاصيل العمل الذى يشاهده لأنه لم يختاره إلا فيما ندر، وتجده متابعًا للإعلانات وشريط الأخبار على الشاشة.
صالح: الشاشة الصغيرة لن تختفى.. والجمهور يحتاج للتنوع وطرح خيارات
وتابع صالح: لن يختفى التلفزيون لأن له مشاهده الذى يحتاج للتنوع وتوفير اختيارات لا يبذل فيها مجهودًا – على حد تعبيره.
ورأى أن انتشار المنصات الرقمية قد يسهم فى تغيير طريقة البث التلفزيونى، مؤكدًا أن التلفزيون لن يختفى من الساحة، بدليل أن الكتب المسموعة ما زالت موجودة رغم ظهور نسخ رقمية منها، إلا أن الغالبية العظمى تفضل قراءة الكتب وحملها.
وعى الجمهور يؤهله للتعامل مع التكنولوجيا
بينما قالت مونيا محسن، أستاذ بقسم الدعاية والإعلان فى كلية إعلام جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة إن جزءًا أساسيًا من انصراف المشاهدين عن التلفزيون إلى المنصات هو حجم الإعلانات، خاصة خلال شهر رمضان، إلا أنها لا تمتلك لها قاعدة كبيرة من المشاهدين بسبب إتاحتها المحتوى مقابل رسوم اشتراك.
محسن: انتشار SMART TV وخدمات الإنترنت فائق السرعة يدعمان تطويرها
وأوضحت مونيا محسن أن المنصات هى مستقبل صناعة الإعلام فى مصر، خاصة أنها تقدم حلقات مجمعة للمسلسلات على سبيل المثال بدون وجود فواصل إعلانية طويلة والتى تفقد المشاهدين اهتمامهم بالمحتوى الفنى.
وأضافت أن الوعى الإعلامى للمشاهدين فى زيادة مستمرة، ما يؤهله للتعامل الجيد مع المنصات، خاصة أنها تتميز بالسرعة وجودة المحتوى المقدم، معتبرًا أن انتشار أجهزة التلفزيونات الذكية smart tv وإتاحة خدمات الإنترنت فائق السرعة ساهما فى تحول المشاهد بكل سهولة للمنصات الديجيتال.
وقالت إن الراى العام المصرى يبحث حاليًا عن محتوى منصات والقضايا التى تثار من خلاله، خاصة العالمية منها، مثل نتفليكس التى اتجهت مؤخرًا لإنتاج أعمال فنية فى البلدان العربية، مشيرة إلى أن عدد المشاهدات عبر المنصات الرقمية فى مصر ارتفع بشكل ملحوظ بعد إنتاج عمليين باللغة العربية، هما فيلم اصحاب ولا اعز ومسلسل البحث عن علا.
مدة الفواصل الإعلانية فى مصر غير محددة
ولفت المخرج عمرو سلامة، إلى أن المنصات تستحوذ على 5 % تقريبًا من جموع المشاهدين فى مصر بسبب مخاوف الجمهور فى الدول العربية من شراء محتوى درامى ودفع مقابل الخدمة أونلاين، إضافة إلى وجود مشكلة قرصنة الأعمال الفنية والتى تحتاج إلى قوانين أكثر حسمًا – على حد تعبيره.
سلامة: تستحوذ على %5 تقريبًا من جموع المشاهدين فى مصر
ورجح “سلامة” زيادة عدد جمهور المنصات خلال السنوات المقبلة، كونها تسهم فى تغيير شكل الدراما، لكن الأمور لن تصل لمرحلة إلغاء متابعة الجمهور للتلفزيون لسببين، هما متابعة الرياضة والقنوات الإخبارية، لافتا إلى أن عدد الأعمال الفنية المنتجة فى التلفزيون أكبر من المنصات وعند مشاهدة المحتوى الدرامى يفضل المشاهد بين المنصات والتلفزيون طواعية.
وأكد أنه لا يوجد اتفاق فى مصر على مدد الفواصل الإعلانية فى الأعمال الدرامية بعكس الخارج التى تعتمد على تقديم 42 دقيقة محتوى يتخللها من 12 إلى 16 دقيقة إعلانات، فى حين قد تصل إلى 30 دقيقة فى مصر، الأمر الذى يدفع الجمهور للتوجه للمنصات.
أسعار الاشتراكات بالتطبيقات غير مناسبة.. ودور السينما المتضرر الأكبر
وقالت ريهام صلاح، مدرس فى قسم الإذاعة والتلفزيون بإحدى كليات الإعلام، إن الوسائل الإعلامية التقليدية مثل الراديو والتلفزيون لن تندثر، بسبب المنصات فى ظل تمسك قاعدة عريضة من المشاهدين بها، إلى جانب أن أسعار الاشتراكات غير مناسبة لشريحة كبيرة من المجتمع.
وتابعت ريهام صلاح أن دور السينما هى المتضرر الأكبر من انتشار المنصات الرقمية، خاصة أنها أثرت بالسلب على نسب المشاهدات، وساهمت كذلك فى انخفاض أعداد مرتادى دور العرض، معتبرًا أن أسعار اشتراكات المنصات ربما تكون مناسبة لأكثر من %20 من المجتمع المصرى.
يذكر أن شركة إكسنشر الإيرلندية لأبحاث الأسواق والاستشارات أجرت دراسة على مشاهدين من دول أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية خلصت خلالها إلى أن %60 من المشاهدين يشعرون بالإحباط عند تصفح منصات المشاهدة لتعدد الاختيارات وتنوعها، فيما يقضى %44 من المشاهدين أكثر من 6 دقائق فى محاولة لإيجاد محتوى يشاهدونه.
وأشارت الدراسة التى أعدت مطلع العام الحالى إلى أن %56 من المشاهدين يرغبون فى توحيد الحساب الشخصى الخاص بهم والتنقل به عبر المنصات المختلفة، إضافة إلى أن %51 يشعرون بحاجة إلى أن تقدم المنصات اقتراحات للمشاهدة تكون أكثر صلة بثقافة المشترك.
الغالبية تفضل تنوع الموضوعات وجرأة الطرح
فيما عددت الناقدة الفنية، فايزة هنداوى، أسباب نسب المشاهدة على المنصات الرقمية فى مصر، وعلى رأسها طبيعة الأعمال الفنية التى تعرضها، خاصة أن شاشات التلفزيون أصبحت تتسم بالطابع المحافظ، وتضع قائمة محاذير على الأعمال الدرامية، وأصبحت القضايا متشابهة إلى حد كبير، مبينة أن أغلب الجمهور يفضل حاليًا المنصات كونها أكثر تنوعًا وجرأة فى الطرح، كما لا يتجاوز العرض الـ10 حلقات دون أى فواصل إعلانية.
هنداوي: الفضائيات تتسم بالنمطية فى تناول الأعمال الدرامية
واستطردت فايزة هنداوي: يعانى التلفزيون من النمطية الشديدة فى تناول الأعمال الدرامية، إذ تصل عدد حلقات المسلسل الواحد إلى 30 حلقة حتى إن كان العمل لا يحتمل ذلك فى ضوء الالتزام بالسياسات الإعلانية المتفق عليها مع المعلنين، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة انخفاضًا ملحوظًا فى أعداد متابعى التلفزيون، مثلما حدث مع الإذاعة.
صناع المحتوى دعموا نجاح قنوات “سى إن إن” و”سى بى إس”
وأعرب الدكتور حسن على، رئيس جمعية حماية المشاهدين، عن مخاوفه من عدم قدرة المؤسسات الإعلامية التقليدية على مجاراة المنافسة مع المنصات، مؤكدًا أن السوشيال ميديا تتمتع بقدر أكبر من الحرية والمرونة وزيادة فى الإعلانات، مقارنة بأى وسائل إعلام أخرى.
واستطرد حسن إن الفضائيات التقليدية لا تجد قبولًا من المعلنين إلا إذا كان بها محتوى جاذب للجمهور، لافتًا إلى أن شبكة قنوات “سى إن إن” و”سى بى إس” الأمريكتيتن لم تتأثرا إطلاقًا رغم وجود منصات ذائعة الصيت بالولايات المتحدة على غرار نتفليكس، فى ظل وجود صناع محتوى مبدعين بهما.
ورأى أن بقاء التلفزيون فى منافسة مع المنصات مرهون بوجود صناع محتوى على قدر كبير من الكفاءة، ويمتلكون عقليات منفحتة على الثقافات الأخرى بهدف تجديد الأفكار المطروحة، مشيرًا إلى أن القنوات التلفزيونية تحتاج إلى تمويل، خاصة أن أغلبها يعانى من خسائر رغم الإنتاج الكبير من جهات الدولة.