من تراب الطريق 1234 الإمام الطيب والقول الطيب 67 القرآن وحقوق الإنسان تقرير وضمان
بقلم \ملك الشريف
فى هذا الوَسط الموبوء بالأمراض الاجتماعية والسياسية والإنسانية نزل القرآن الكريم، ليحرر الإنسان من كل هذه القيود والمظالم، وجهرَ النبى بحقوق الإنسان وبالمساواة بين بنى البشر، وقرعَ أسماع الناس بقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات 13).
«ولأول مرّة سَمِع العرب والعجم بيان النبوة الحاسم : «الناس سواسية كأسنان المشط»، «الناس رجلان ؛ رجل برٌّ تقىٌّ كريمٌ على الله، وفاجرٌ شقى هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخَلَقَ الله آدم من تراب».
«ولم ينس وهو يودّع أمّته فى حجة الوداع أن يّذكّرهم بمبدأ المساواة بين الناس، فقال فى بداية خطبته الخالدة : «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربىّ على عجمىّ، ولا لأحمر على أبيض فضلٌ إلاّ بالتقوى، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب».
«كما سمع المجتمع العربى ولأول مرة أيضًا صيحة نبى الإسلام : «النساء شقائق الرجال»، وقوله «ولو كنت مُفضِّلاً أحدًا لفضَّلت النساء»، وتلا عليهم قوله تعالى : «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء 19).
«والقرآن هو الذى أوقف فوضى الزواج فى الجاهلية، وهو الذى جعل المرأة ترث مع الرجل بعد أن كانت تُورث ضمن تركات الأموات، وهو وإن كان قد جعل ميراث البنت على النصف من ميراث أخيها فى أربع حالات فقط، فإن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، بل هناك حالا ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل.
«والقرآن هو الذى قرر حرية العقيدة، ورفع الحجر عن العقل والإرادة، وبلا حدود : «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة 256)،
«وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» (يونس 99)، «لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» (الغاشية 22)، «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (الرعد 7)، «إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاغُ» (الشورى 48)، «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ» (الأنعام 35)، «وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» (هود 118).
«والحضارة التى صنعها القرآن حضارة تعارف وتكامل بين البشر وقد سعد بها الإنسان فى الشرق والغرب على السواء، ولم تكن كما يُقال عنها زورًا وبُهتانًا حضارة سيف، أو حضارة حرب، ولو أنصف المغرضون لقالوا إنها حضارة السلام بامتياز.
«ويكفينا شاهدًا على ذلك : أن كلمة السلام ومشتقاتها وردت فى القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة، بينما وردت كلمة حرب فى القرآن ثلاث مرات فقط.
«والقرآن ينكر تسلّط حضارة على أخرى أشد الإنكار، ونحن المسلمين نعتقد أن العلاقة بين الحضارات إنما هى علاقة تعارف وتعاون وتكامل، وأنها إن سارت فى اتجاه الصراع البائس المشئوم ؛ فإن النتيجة لن تكون أبدًا سيطرة حضارة على أخرى، وسيادة ثقافة أو دين على سائر الثقافات والأديان، وإنما المصير المحتوم حينئذ سيكون لا محالة؛ إما إنهيار الحضارات المتغرطسة، أو عودة البشرية كلها إلى حالة من الهمجيّة والفوضى، ربما لا يَعرف التاريخ لها مثيلاً من قبل».