” إذاعة القرآن الكريم المصرية.. تاريخ من العراقة والأصالة “
تقرير : محمد خاطر
بمجرد سماع صوتها المتيم في القلوب، واقتباس نورها الساطع في الدروب، والإحساس بنبضها الكامن في الوجدان، يهوى الناس طريقها والسير على نهجها والاستماع إلى أحاديثها دون أي حجوب، بما تحمله من أسس تربوية صالحة وقيما أخلاقية سامية وأهداف تنويرية رفيعة ومعالم إرشادية واعية، فقد أفاد صوتها جميع الأجيال على مدار العصور، وظل صوتها خالدا في الأذهان طيلة تاريخها قاطفا لنا أجمل وأنقى الورود، وخاطفا وجاذبا للمستمعين بقدرة عبقرية على الإقناع والإبداع فاقت كل الحدود، فهي الصوت الملائكي الذي لا مثيل له، ومنبع العلم الذي لا نفاذ له، والراحة النفسية التي تشعر معها بالصفاء والنقاء والتسامح والحب والإيثار والسعادة الحقيقية بقربك من الله سبحانه وتعالى وأنت في أشد الحاجة إليه ترجو مغفرته وتطلب عفوه ورضاه، إنها إذاعة القرآن الكريم التي حملت على عاتقها الدفاع عن كتاب الله ورسالة الإسلام التي أنزلت على نبينا العدنان عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانت حصنا منيعا لمحاولات بائسة هدفها النيل من كتاب الحق عز وجل، فأسقطت التخريبات الخبيثة التي سعت لتحريف آيات الرحمن، فكانت صوت الحق بلا منازع.
تاريخ نشأة إذاعة القرآن الكريم:
يرجع قرار التفكير في نشأتها تبعا لظروف وملابسات سبقته وطالبت بضرورة إصدارها في الحال؛ ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي ظهرت طبعة مذهبة من المصحف، ذات ورق فاخر، وإخراج أنيق، بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته، منها قوله تعالى: ” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” {85} (سورة آل عمران). وطبعوها مع حذف كلمة ” غير ” فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تمامًا ! وكانت هذه الطبعة رغم فخامتها رخيصة الثمن، وكان تحريفها خفيًّا على هذا النحو، لكن الله تولى حفظ كتابه حيث يقول سبحانه: ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “(سورة الحجر).
ومما سبق كان له عامل الأثر في أهمية الانتباه والحذر لما يمارس ضدنا وضرورة اتخاذ المواقف الرادعة للحفاظ على كتاب الله عز وجل، ووضع حدا صارما لمحاولات النيل من ديننا الحنيف ومجابهة أعداء الإسلام في كل مكان، لذا تم إنشاء إذاعة القرآن الكريم بقرارا جمهوري أصدره الرئيس الرحل جمال عبد الناصر في السادسة من صبيحة يوم الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383 هجريا الموافق 25 مارس عام 1964، لتعلن عن نشأتها والتوجه للقيام برسالتها السامية تجاه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزل بها أمين الوحي جبريل “عليه السلام” على قلب سيد المرسلين محمد (ص)، وكانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه ؛ حيث يصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال أفريقيا، حيث كان الراديو الترانزيستور وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة.
وعلى شاكلتها تتابع إنشاء العديد من إذاعات للقرآن الكريم داخل العالم العربي، وفي الخارج أيضا مثل: أستراليا، تصديقًا لقول الحق سبحانه وتعالى ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “.
وتعتبر تجربة شبكة القرآن الكريم داخل الإذاعات المصرية، تجربة فريدة من نوعها كونها تحمل دلالات وأبعادًا ذات مغزى كبير في هذا الإطار الإعلامي، كما أنها تعد أول نموذج لتمثيل هذا الدور داخل الرسالة الإعلامية، وبالتالي فهي الإذاعة الأقدم على مستوى العالم بين إذاعات القرآن الكريم، أو الإذاعات الدينية بصورة عامة، علاوة على دورها الحضاري والثقافي لمصرنا الحبيبة في عالمنا العربي والإسلامي.
أشهر قرائها على مدار تاريخها العريق:
يعد أبرز قرائها: “شيخ القراء” الشيخ محمود خليل الحصري فهو أول من سجل بصوته العذب آيات القرآن الكريم عبر أثير الإذاعة المصرية، ثم الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ محمد رفعت الذي تذاع تسجيلاته يوميا في تمام السابعة صباحا، والشيخ محمود علي البنا، والشيخ محمد محمود الطبلاوي، والشيخ طه الفشني .. إلخ.
من تولوا رئاسة إذاعة القرآن الكريم:
تولى منصب رئاستها العديد من الشخصيات والقامات وهم: د/ كامل البوهي _ أ/ عادل القاضي _ أ/ محمد الشناوي _ أ/ عطية السيد _ د/ إبراهيم عبد الصمد _ د/ هاجر سعد الدين _ أ/ فاطمة طاهر، ويعد الرئيس الحالي لها هو الأستاذ إبراهيم مجاهد.
أحاديث شخصيات مؤثرة في تاريخ الإذاعة الدينية الأقدم في التاريخ:
يقول د/ إبراهيم عبد الصمد “رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق”: ” هو أول جمعا صوتي في التاريخ، بعد جمعه في مصحف واحد في عهد أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، مشيرا أنها بدأت بمسمى محطة القرآن الكريم لتقدم القرآن المرتل “.
بينما يقول د/ عبد الله الخولي “مذيع بإذاعة القرآن الكريم”: “عند أذن هرعا العلماء الأجلاء من أجل كتاب الله عز وجل، وإذا لم يهبوا لأجل كتاب الله، فلأجل أي شيء يسرعون ويحافظون عليه، حافظوا على كتاب الله عز وجل من خلال تسجيله على إسطوانات، وقام بذلك المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهيئة كبار العلماء، مؤكدا أن كتاب الله عز وجل طبع بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري على اسطوانات والتي وزعت على معظم الدول الإسلامية، ولكن هذه الإسطوانات وجد أنها لا تكفي، نظرا لعدم توافر الأجهزة التي يمكن أن تعمل عليها هذه الإسطوانات في أي مكان.
فجاء التفكير في إنشاء إذاعة القرآن الكريم في مصرنا الحبيبة، وتعد هذه هي أعظم وسيلة من وسائل حفظ كتاب الله، تصديقا لقوله تبارك وتعالى ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون “.
وفي الأخير يقول أ/ محمد عبد العزيز أول مذيع بإذاعة القرآن الكريم: ” حينما بدأ تحريف آيات الذكر الحكيم وطبع بالفعل مصحفا كان مزورا بشكل يصعب اكتشافه، فجاءوا إلى قوله تعالى: ” ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه “، فقاموا بحذف كلمة (غير) فمعنى ذلك : ومن يبتغي الإسلام دينا فلن يقبل منه ، ووزعوا هذا المصحف بشكل كبير.
وأضاف عبد العزيز، بفكرة من الأستاذ لبيب السعيد وكيل وزارة الأوقاف في ذلك الوقت، وقدر أن يسجل القرآن الكريم مرتلا، وتم عرض الفكرة في البداية على الشيخ مصطفى إسماعيل، فطلب 10 آلاف جنيه ليسجل القرآن مرتلا، وحين عرضوا الفكرة على شيخ القراء الشيخ محمود خليل الحصري، قال : ” أنه يشرفني أن أسجلها بدون أجر “.
فقالوا يسجل ويأخذ الأجر الذي طلبه سابقه الشيخ مصطفى إسماعيل، فكان ذلك التفافا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى النشاط الديني في فترة الستينيات التي ربما كان فيها اتجاه يساري في هذا الوقت، ولذلك استطاع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في التغلب عليه بخطوتين: الخطوة الأولى / أنه أصدر قانون 103 لسنة 1961 بتطوير جامعة الأزهر لتضاف إليها الكليات المعملية ككلية الطب والهندسة والزراعة وما إلى ذلك، ثم كانت الخطوة الثانية بإنشاء إذاعة القرآن الكريم لتصبح منبرا لجميع شعوب العالم.