مقالات

جيهان الشاهد تكتب: مقاومة العنف الأسري

بقلم المستشارة: جيهان الشاهد

قضية جديدة مؤلمة تشبه قضايا كثيرة مؤخرًا، ضحيتها أم تركت خلفها طفلين وأهل مصدومين.. كالعادة بسبب العنف المنزلي !!!

تبدأ القصة عن شابة في الثلاثين ، مُطلقة وعندها طفلين، التقت بشاب أكبر منها قليلاً ، مطلق وعنده طفل فاتجوزوا، خلال أقل من سنة كان خنقها وأصيبت بقطع في البلعوم في إحدى خناقاتهم لإنه “عصبي” وتركها 5 أيام تصارع من أجل حياتها بدون رعاية طبية حتى لفظت أنفاسها، والمفارقة إن منشوراتها كلها على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر السعادة الأسرية وتفخر به باعتباره “كل عالمها” وده كان آخر كلام كتبته على صورة لهما معا !!!!!

هذه المعلومات التي عندنا حتى الآن، ربنا يرحمها ويصبر أولادها وأهلها، احنا بنتعلم من الأحداث الواقعية التي تمر علينا مهما كانت مؤلمة، فممكن نتعلم من القصة الحزينة دي حاجات كتير .

– غالبا الأم المطلقة في مجتمعاتنا تحت ضغط مهول ولوم لا ينقطع سواء بقيت بدون زواج فينظر لها باعتبارها «أمنا الغولة» اللي بتاكل الرجالة! ، أو تزوجت تاني فينظر لها باعتبارها ما صدقت ودخلت “راجل غريب” على عيالها رغم إنها معملتش حاجة غلط ولا حرام وده حقها .
وغالبا تحت الضغط بتتجوز بسرعة بناء على شكليات : سنه ، فلوسه ، ظروفه.. بغض النظر عن الجوانب الحقيقية اللي تبنى عليها اختيارات الزواج وأهمها شخصيته وسلوكه وأخلاقه، لأن مشاعرها ولسان حالها غالبا بيكون “الحمد لله إني لقيت حد يرضى بواحدة بعيالها “.

– المبالغة في إظهار الحب والسعادة الزوجية في بوستات علنية أحد أهم مؤشرات التعاسة وقرب الانفصال ! ده نتيجة الدراسات النفسية الحديثة للسلوك على السوشيال ميديا؛ ببساطة لأن اللي بيحبوا بعض بجد مش مضطرين يدخلوا الجمهور طرف ثالث في علاقتهم ، بالعكس خالص، بيحتفظوا بعلاقتهم في نطاق شخصي وحميمي يخصهم لوحدهم، فبوستات “جوزي حبيبي” غالبا تعبر عن خوف من الفقد ، قلق وتوتر ، شك في خيانة ، تعرض لعنف.. أو الأسوأ تنشر بالأمر المباشر بعد الاعتداءات كدليل يثبت براءة المعتدي ويمكن استخدامه فيما بعد لاتهامها إن هي اللي عندها مشاكل ! فاحنا مش بس هانتعلم ما نصدقش المشاعر المزيفه أونلاين ، لا احنا كمان لازم نتعلم ما نقلدهاش ، ونشوف الحقيقة اللي وراها .

– الاعتداء الجسدي ما بيحصلش فجأة ، ولا بيحصل لأول مرة بهذا العنف ( باتكلم من موقع ثقة مدعمة بالمعلومات والتعاون مع أشهر الأطباء النفسيين ومن خلال تحقيقات اجريت من قبل النيابة العامة وواقع المحاكم ) فاللي وصل واحد يخنق فيسبب قطع ٨ سم في البلعوم، ويسيب الضحية ويمشي ، ويرجع يلاقيها مكانها ، فيسيبها تاني ٥ أيام كاملة.. ده لا يمكن يكون بسبب “العصبية” زي ما قال في التحقيقات ! دي نفسية مشوهة تتلذذ بالعذاب ودي حقيقته من قبل ما يتجوزها وقد تكون سبب طلاقه قبلها، وأكيد كان فيه مقدمات كتير قبل ما يوصل للمرحلة دي من التمكن والتجبر والحيوانية. فقطعا بلا أي شك فيه اعتداءات حصلت قبل كده وتصاعدت في الشدة لتصل لمشهد النهاية، ده يعلمنا إننا نجري عند أول اعتداء مهما كان بسيط ! لو بعد أول تعدي لفظي لم يعتذر ويمتنع ، المرة اللي بعدها هايمد إيده بصفع أو دفع أو خبطك في الحائط أو العفش ، ولو الضحية قبلت واستمرت ، اللي بعدها هتبقى علقة مستمرة لمدة طويلة . اللي بعدها هاتروح المستشفي بكسور وجروح ! ده علم مش تكهنات ، وده من واقع ملفات وقضايا المحاكم الانجليزية واللي انتقلت هذه الظاهرة الينا في أواخر القرن العشرين .

وللعلم أكثر حد بيدفع ثمن تهاون الأم في حقها بعد الاعتداء الجسدي هم الأبناء !
الكليشيه المجتمعي “استحملي علشان أولادك” .. أظن في هذا المثال الصادم النتيجة واضحة، ودي مش حالة فردية للأسف، بحكم انغماسي في المجال لسنوات وما اقابله من قضايا الاسرة ، أقدر أؤكد لكم إن فيه منها آلاف أولادهم دفعوا الثمن من نفسياتهم وصحتهم وسعادتهم ونجاحهم في حياتهم.. لو الأم بقيت على قيد الحياة ! فيه منها ملايين في بلادنا العربية ! ومئات الملايين في كل العالم .

في أمريكا واحدة من كل ٣ تتعرض للعنف الزوجي . فأرجوكم خذوا الموضوع بجدية شديدة وتوقفوا تماما ولا تتحركوا وعند أول اعتداء ، اقلبوا الدنيا ، دخلوا الأهل، أصروا على علاج نفسي، لو الموضوع خطير دخلوا السلطات طرف، لو الشخص مدمن أو مريض نفسي مشخص من طبيب ثقة سيبوا البيت وانقذوا حياتكم وحياة أولادكم حتى يتعافى أو تنتهي الحياة عند هذه الخسائر ، وهي أقل الخسائر كما هو واضح !

– من أهم ما يمكن أن تفهموا إن التروما (الصدمات العاطفية بسبب الأحداث المخيفة والمؤلمة) تنتقل جينيا عبر الأجيال ! أيوه زي ما قرأتم كده؛ اللي اتربى في بيت فيه ضرب وشتائم وإهانات وكان بيشوف أمه بتتهان وتتذل وتبكي وتتوسل ، وكان بينام مرعوب وبيخاف يمشي في البيت لغاية ما المعتدي يخرج أو ينام وبيكذب ويلاوع علشان يحمي نفسه من العقاب الرهيب.. هينقل كل ده لأجيال بعده غصب عنه ! وده أحد أسباب الانهيار النفسي والأخلاقي اللي كلنا بنعاني منه مجتمعيًا حاليًا، لأن الأجيال السابقة تجاهلت أو لم تكن تعرف هذه الحقائق وكلها كان فيها عنف رهيب داخل البيوت !

ربنا يرحم كل ضحية ويجازي كل مؤذي ويرزقنا البصيرة علشان نكسر هذه الدائرة فلا ننقلها لمن بعدنا وربنا يحفظنا جميعًا .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى